المقالة الخامسة: تابع التحليل الاستراتيجي لمشكلات الأمة المسلمة
جمادى الأخر 1432 أول يونيو 2011
رابعا:تحليل استراتيجيى لعوامل القوة فى العالم الاسلامى
على الجانب الدنيوى فقد منح الله سبحانه وتعالى الأمة المسلمة الغلبة فى موارد كثيرة ونعم عظيمة تهيئ لها قيادة العالم فهم الأكثر عددا من كل أهل الملل على الارض والأكثر مالا من أى أمة والأكثر بترولا والأكثر شمسا وطاقة بل والأكثر فى مساحات الاراضى والصحراء والأنهار والبحار التى سخرها الله لهم والأكثر فى مخزون معادن الذهب والمعادن الاخرى والأفضل موقعا فى مركز الكرة الارضية وممتددة بتواجد دولى وشعبى فى القارات الست والأكثر فى عتاد السلاح من ناحية العدد والكم. ورغم تفوق كل تلك الموارد السابقة الا أنها كلها متفرقة وغير موجهة كلها فى اتجاه واحد وانما فى اتجاهات متفرقة ولا تجمعها ادارة واحدة ولاتربطها استراتيجية واحدة.
وأما على الجانب الدينى فقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الأمة المسلمة بنعمة الوحدة فى الوقوف فى تصاف وتساو وتواضع فى كل يوم خمس مرات كلهم يقف كل منهم خلف امام لهم متجهين نحو الكعبة التى هى مركز اليابسة فى الأرض ويقفون فى دوائر حولها تمتد من مشارق الارض الى مغاربها على مدار ال 24 ساعة عملا بقوله تعالى “وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره”. وأكرم الله هذه الأمة بالوحدة فى قضاء مشاعر الحج الى الكعبة بالملايين كل قد لبس احرامه واصطف جنب أخيه المسلم من جنس ولون ولسان قد لايعرفه ولكنه يحبه فى الله ويركع ويسجد جنبه لله وكذا أكرم الله هذه الأمة بالوحدة فى رمضان فترى مسلمى العالم يصومون ويفطرون ويعيدون فى صعيد واحد. وقبل ذلك كله أكرمهم وأمرهم بأن يعتصموا جميعا بحبل الله وهو شهادة ألا الاه الا الله وأن محمد رسول الله الذى لايختلف فيه مسلمان.
ومما سبق يتضح أن نقاط قوة للأمة المسلمة تتمثل فى الخصائص والقيم التالية
- أن الأمة المسلمة لديها خصائص القوة المالية والاقتصادية والعسكرية والسياسية أيضا ولكنها بدون استراتيجية تجمع تلك القوى وتوحد اتجاهات حركتها وتكامل أدوارها بين مكونات الأمة
- حقيقة وحدة وعالمية هذه الأمة المسلمة على مستوى العالم حيث تشمل فى كيانها كل من شهد الشهادتين فى العالم وتتجسد وحدة الأمة فى وحدة صلاتهم وحجهم وصيامهم وأعيادهم وقرأنهم واحد وربهم واحد ورسولهم واحد. ومعنى ذلك أن الأمة المسلمة هى كيان موجود بالفعل ويمثل أكبر أمة واحدة فى العدد اليوم وفى السعة الجغرافية أيضا من حيث تواجدها فى القارات الست.
وللبناء على نقاط القوة الخاصة بوحدة الأمة : ينبغى تجسيد وحدة وعالمية الأمة فى كيان مؤسسى يسمى “الأمة المسلمة” وأول الخطوات فى ترجمة هذا الكيان هو الأتى :-
- صدور اعلان بمايسمى بشخصية “الأمة المسلمة”, يصدر من تجمع رؤساء وملوك الدول المسلمة مع رؤساء جميع الأقليات الاسلامية فى العالم وزعماء جميع المنظمات والجماعات الاسلامية فى العالم للاعلان عن وجود والاعتراف بالأمة المسلمة فى واقع وخريطة العالم الحالى والتى ينتمى اليها كل جماعة ودولة مسلمة وفرد مسلم فى العالم أجمع بدون أى تعارض مع هويته الوطنية التى يحملها أيا كانت
- تشكيل مجلس رؤساء للقيادة الجماعية للأمة من تجمع رؤساء وملوك الدول المسلمة مع رؤساء جميع الأقليات الاسلامية فى العالم يتولى الأتى:
- النظر والقرار فى التحديات التى تواجه الأمة من الخارج ومن الداخل
- وضع وتنفيذ استراتيجيات تنموية وتكاملية بين دول وشعوب الأمة
- وضع استراتيجيات سياسية وعسكرية للسلام والحرب لحماية أمن الدول المسلمة وكذلك أمن وحريات الأقليات المسلمة فى بقاع العالم
- وضع خطط تنفيذية لمواجهة حكام الدول المسلمة التى ترتكب جرائم حرب على شعوبها ومثال ذلك معمر القذافى فى ليبيا وأى زعيم أو رئيس يخرج على الشرعية الدولية كصدام حسين مثلا وبالتالى تنأى الأمة المسلمة عن الاستعانة بقوات الناتو لاصلاح خلل فى دول مسلمة مما ينتج عنه أثار أكثر خللا وتدمير لكيانات ومعنويات اسلامية
- وضع خطط تنفيذية لمساندة الحكام الذين تتعرض دولهم لتدخلات أجنبية أو مؤامرات طائفية لتفكيك وحدة البلاد
- تشكيل مجلس عالمى لنواب الأمة يتكون من ممثلى شعوب الأمة ليقر ويعدل ويعتمد قرارات واستراتيجيات مجلس الرؤساء
- اشاعة وضوح معايير اختيار القيادة ودورها فى الدول والاقليات المسلمة. تعلم المسلمون أصول الانقياد فى الأمة المسلمة حيث ينقادون تلقائيا فى المسجد خلف أعلمهم قرأنا ومع ذلك فمبدأ التصحيح للقائد معمول به حتى أثناء الصلاة وكذلك رفض تبعية القائد اذا هو أمر بمعصية. ومعنى ذلك أن هذا الكيان العالمى للأمة المسلمة يتمتع بقيادات موجودة بالفعل على كل المستويات بدأ من مستوى المساجد الى مستوى الاقليات المسلمة وحتى مستوى الدول وبالتالى فأن نظام اختيار القيادة فى الاسلام نظام واضح ومحكم وهو قائم على الافضلية للأعلم والأصلح على أى مستوى وأيضا محكم فى أصول اتباع القائد أو مراجعة فعله ان أخطأ أو الخروج عليه ان أمر بمعصية واذا كانت القيادة فى حكم الجماعات أو الدول فالافضلية للأقوى فى الجسم والعلم كما علمنا القرأن أسباب أفضلية الجسم والعلم ليكون طالوت ملكا ومعناه أن الحاكم المسلم ممكن أن يكون ملكا أو رئيسا انما الأهم أن يكون قويا وعالما بالقيادة ولتنتهى الصراعات بين الملكيين والجمهوريين. أما مهام الحاكم فقد علمنا الله اياها فى المهام التى أنجزها ذو القرنين فى سورة الكهف وهى اتباع الأسباب فى كل ما مكنا الله فيه واقامة العدل ونشر السلام وفرض النظام وتشييد البنى التحتية ونقل العلوم ولم تتحدث قصة ذو القرنين الحاكم عن أى صفات أو مهام دينية له فى اشارة الى أن مهام الحاكم هى مهام مدنية لاصلاح دنيا الناس وأما الدين فهو علاقة بين المرء وربه لا يعلمها ولا يقيمها الا الله سبحانه و لاسلطان للحاكم عليها ولا ينبغى له عملا بمبدأ لا اكراه فى الدين وقوله. ويأتى اصلاح أحوال الأمة فى معضلة الصراع على قيادة حكم للدول والجماعات بممارسة الدور الرقابى والاستشارى والتدخل السياسى والعسكرى – اذا لزم الأمر- من قبل “مجلس رؤساء للأمة” لضمان تنفيذ الأتى
- تمكين الشعوب والجماعات المسلمة من تطبيق تلك الافضليات عند اختيار قادتهم وعند الخروج عليهم اذا ضلوا وأمروا بمعصية أو ارتكبوا جرائم حرب
- مراقبة وارشاد قادة الدول والجماعات من التركيز على مهامهم فى اصلاح معيشة المسلمين المذكورة فى سورة الكهف وهى اتباع الأسباب فى كل ما مكنا الله فيه واقامة العدل ونشر السلام وفرض النظام وتشييد البنى التحتية ونقل العلوم
- مراقبة وارشاد قادة الدول والجماعات فى نبذ سياسة زرع الفتن والخلافات المذهبية أو تدخلهم بين العبد وربه فى تقييم دين الناس أوتدينهم أو التعسف فى تطبيق الشرئع الاسلامية بدون تأهل الواقع للأحكام كما علمنا سيدنا عمر من تأجيل تطبيق حكم السرقة فى عام القحط, أو تطبيقها على غير المسلمين بالمخالفة لنصوص القرأن كما حدث فى السودان أو فى توظيف الدين لمصلحة أحزاب أو سياسات
- وقف الحروب الأهلية الدائرة فى دول مسلمة افريقية وأسيوية بين الجماعات الاسلامية وجماعات حكومية بدعوى تزعم بعص القادة للحاكمية ومعية الحق وحدهم وتكفير بقية الناس والزام كل الأطراف باتباع منهج الاسلام المشروح بعاليه فى تعيين القادة ومحاسبتهم ومدنيتهم
- وحدة التوجه فى تنفيذ استراتيجيات العمل كما هى وحدة توجه الامة بالقلب والوجه والجسم من أى مكان فى العالم نحو القبلة, ومن أهم شروط نجاح الاستراتيجية هو اجتماع كل الأمة على تبنيها :-
- اخوة أفراد وجماعات الأمة المسلمة “انما المؤمنون أخوة”
- اصطفاف افراد الأمة المسلمة جنبا الى كنب اذ يصلون فى صفوف كل يوم خمس مرات
واذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل من العبادات الدينية ما خص به أمتنا المسلمة من تلك القيم والخصائص الخمس فان نفس تلك القيم والخصائص تمثل المؤهلات المطلوبة لتنصلح بها أحوال الأمم الدنيا أيضا وليس فى العبادات فقط وانما يسرها الله لنا فى العبادات حتى نتعلم منها فى اصلاح الدنيا ونتقلد بها زمام الريادة فى تطوير حياة الانسان على الأرض وتحقيق الرخاء التنموى والتقدم فى الصناعة والزراعة والبناء والتعمير والاقتصاد والسياسة والدفاع والتعليم والصحة.
واذا كانت الأمة المسلمة تتمتع بتلك الخصائص العظيمة المؤهلة للريادة واذا كانت القيادات موجودة بالفعل لكل جماعة و لكل دولة مسلمة فان تلك الأمة لاينقصها الا شيئا واحدا ألا وهو خطة عمل على مستوى الأمة أو مايسمى بال “استراتيجية” للأمة والتى هى “الاعداد” بلغة القرأن من قوله تعالى “واعدوا لهم ماستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم” وهذه الأية العظيمة من كلام الله ترشد الأمة المسلمة الى الاعداد أى التخطيط والتكامل والتعبئة لكل موارد القوة الاقتصادية والصناعية والبشرية بأقصى الطاقات الممكنة (ماستطعتم من قوة) لتشكيل كل مظاهر القوة بالاضافة الى القوة العسكرية “ومن رباط الخيل” وجعل لذلك هدفا مطلوب تحقيقه وهو ليس القتال أو الحرب وانما احلال السلام الذى سيتأتى من مجرد رهبة العدو وعيونه من قوة وسلاح المسلمين فاذا خافوا لم يجرؤا على الاعتداء علينا بل سيطلبون السلام القائم على الاحترام والرهبة من قوة الردع الاسلامية. واذا أمن المسلمين من اعتداء العدو فلن يكن هناك حربا لأن المسلمين لا يعتدون. وهذه الأية العظيمة تعد مرجعا لعلم التخطيط الاستراتيجى الحديث الذى يبحث عن توظيف وتكامل كل الموارد المتاحة لللأمة (وأعدوا لهم ماستطعتم) لبناء قوى تنافسية فى كل المجالات الاقتصادية والعلمية والصحية والسياسية والعسكرية (من قوة ومن رباط الخيل) تكون على قدر أعلى تفوقا من قدرة الأعداء والمنافسين لتحقيق أهدافا دنيوية مكتوبة سلفا (ترهبون به عدو الله وعدوكم) فاذا تم تحققيها يعم الرخاء والسلام فى الدنيا ليس على المسلمين فقط بل على البشر أجمعين بشمول السلم لنا ولهم.
ومن هنا جاءت ورقة البحث هذه لدعوة مفكرى وعلماء وقادة الأمة المسلمة الى صياغة وتبنى استراتيجية عمل على مستوى الأمة يتم فيها توظيف ماسبق ذكره من خصائص قوة للأمة ويقوم القادة من خلالها من تعبئة أقصى موارد وطاقات ممكنة تحت أيديهم وتوزيع أدوارهم التنفيذية فى تلك الخطط الاستراتيجية لاصلاح أحوال الأمة الدنيوية وبناء قدراتها التنافسية فى كل المجالات وليقوم على تنفيذها كل دول وجماعات وأئمة المسلمين وأفرادهم كل على الثغر الذى يقف عليه.
وضرب الله مثلا للحاكم الصالح “ذو القرنين” الذى أتاه الله من كل شئ سببا فاتبع سببا ومعنى اتباعه للاسباب هو نفسه الاعداد المذكور فى الاية السابقة لتوظيف وتكامل تلك الموارد التى سخرها له الله لتنفيذ أهدافه فى الأرض والتى انجزت خلال رحلاته حول الأرض من اقامة العدل ونشر السلام وبناء السدود لاصلاح الأحوال الدنيوية للناس.
وينبغى توجيه ثقافة عموم المسلمين وأئمتهم وقادتهم فى كل العالم الى الأخذ بالاسباب وأولها عملية التخطيط الاستراتيجى ووضع أهدافا دنيوية وأولاهما بناء القوة العسكرية والكفاية الاقتصادية اللازمين لتحقيق استقلال وكرامة الأمة ونشر السلام واقامة العدل كل ذلك هو من أعمال الدنيا ولكنه أيضا من العمل الصالح التى يتقرب به المسلم الى الله.
اكتشاف المزيد من معهد علم الرشد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.