المقالة الثالثة:تابع التحليل الاستراتيجي لمشكلات الأمة المسلمة
جمادى الأخر 1432 أول يونيو 2011
ثانيا: تحليل استراتيجيى للظروف الداخلية السلبية المؤثرة على الأمة المسلمة
تتركز مشاكل الأمة المسلمة الداخلية حول الصراعات الدينية المحلية والاقليمية والصراع على الحكم والتغرب الثقافى والتخلف العلمى. من التحليل الاستراتيجيى لتلك المشاكل يمكن استنتاج أربعة اسباب مباشرة كالتالى:-
- السبب الأول هو عدم الشعور وعدم الانتماء لشخصية الأمة المسلمة كهوية دينيىة والناتج عن الشعور بعدم بوجود تلك الأمة ككيان سياسى واحد جامع لكل الجماعات والشعوب والدول المنتمية الى الاسلام وترتب على ذلك
- السبب الثانى وهو صراع واستمرار صراع وتفكك مكونات الأمة من جماعات وشعوب ومذاهب ودول مسلمة فى العالم
- السبب الثالث وهو غياب كيان مؤسسى يقوم بدور القيادة الجماعية و الجامعة لتلك الأمة سواء فى أوقات الرخاء أو فى أوقات الأزمات وترتب عليه غياب
- السبب الرابع وهو عدم وجود استراتيجية لادارة وتطوير وحماية الأمة المسلمة ككيان واحد جامع ومجمع للعالم الاسلامى وتحدد الاستراتيجية دور الأمة المسلمة السياسى والعسكرى فى حفظ الأمن والسلام الاسلامى والعالى وايضا دورها التنموى فى زيادة الناتج الاقتصادى العالمى والمعرفى .
السبب الأول: عدم الشعور وعدم الانتماء لشخصية الأمة المسلمة:
ان كثيرا من المشكلات الكبرى التى تواجة الأمة المسلمة يرجع لغياب الرؤية الواضحة لشخصية الأمة المسلمة. من تكون ومن ينتمى اليها ومن لا ينتمى اليها ومن معها ومن عدوها هل هى فقط للسنة أم لكل من شهد الشهادتين. هل الشيعة أعداء الأمة المسلمة أم هى من مكونات الأمة المسلمة, هل الاقليات المسلمة محسوبة ضمن الأمة المسلمة, وأين هى تلك الأمة وما هو دورها ودور من ينتمى اليها أفرادا وجماعات. وأزعم أن غياب تلك الاجابات أو عدم وضوحها كوضوح الشمس لكل مسلم فردا كان أو جماعة يعد من أحد أهم أسباب المشكلات التى تواجه الأمة المسلمة والتى هى جزأ من مشكلات العالم أيضا.
ويعتبر موضوع تحديد شخصية الأمة المسلمة وتعريف هوية الانتماء اليها وتحديد الدور المناط لكل مسلم وكل جماعة هو أولى الخطوات المطلوب انجازها قبل البحث عن حلول وقبل صياغة استراتيجية للأمة المسلمة.
ويرى كثير من الناس أن شخصية الأمة المسلمة غير موجودة فى الواقع بزعم أنه لاتوجد دولة واحدة تجمع العالم الاسلامى كما فى فى عهود الخلافة الاسلامية التى انتهت مع نهاية الدولة العثمانية. ويرى أخرون أن انتهاء الخلافة الاسلامية هو انتهاء لوجود شخصية الأمة المسلمة. ويرى أخرون أن اختلاف المذاهب الدينية والسياسية وبعد الحدود الجغرافية للدول المسلمة سببا أخرا لانعدام وجود شخصية الأمة المسلمة.
والواقع أن شخصية الأمة المسلمة موجود فى واقع الحياة بتواجد 1.5 مليار مسلم على وجه الأرض تشمل كل من يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وكلهم تابع لقادة جماعات أوقادة دول الا أن هؤلاء القادة غير مرتبطون مع بعضهم البعض برباط واحد يجمعهم على التكامل والتعاون والتحالف – وهى كلها واجبات اسلامية على المسلمين وعلى قادتهم من باب أولى – ولذلك فان هذا الوجود لشخصية الأمة المسلمة يعد وجودا كحقيقة فعلية الا أنه غير معلن أو معطل الاعتراف بشخصيته لأسباب سياسية ضيقة حولت بعض مكونات الأمة المسلمة الى مجرد تابع لكيانات وأمم غير مسلمة أو حتى معادية للمسلمين.
وباجتهاد متواضع أحاول الاجابة عن تلك الاسئلة لتعريف شخصية الأمة المسلمة ودورها ومسؤلية المنتمين الى هويتها. وأوجه الدعوة لعلماء وفقهاء ومفكرى وقادة الأمة المسلمة الى الاتفاق على واعتماد تعريف محدد لشخصية الأمة المسلمة ودورها وتعريف هوية المنتمى اليها حتى تنطلق الأمة فى بناء كياناها المؤسسية الجديدة فى أنحاء العالم والقيوتضطلع للقيام بدورها المؤثر فى اطار خطة عمل استراتيجية تنهض بدولها وشعوبها المسلمة وبشعوب العالم أجمع.
والأتى هو التعريفات المقترحة من جانبى والمطروحة للبحث والتنقيح من أهل العلم كل حسب تخصصه فى اطار من المسلمات العليا فى الاسلام ودون الانزلاق فى أنفاق وتيه التفرق المذهبي أو السياسي.
- الأمة المسلمة هى أمة واحدة وجعلها الله سبحانه ونعالى أمة واحدة تتكون من جموع كل مسلمى العالم الذين يشهدون أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فى جميع مشارق الارض ومغاربها وهى أمة واحدة تجمعها اخوة الهوية الاسلامية وان كانت لا تجمعها حدود دولة واحدة أو حتى جوار واحد فالمسلمون يعيشون فى قارات العالم الست أفرادا واقليات وشعوبا ودولا, ولا يمنع ذلك التباعد الجغرافى حقيقة وصحة انتماء كل هؤلاء المسلمين الى شخصية الأمة المسلمة وانتمائهم لهوية الأمة المسلمة العالمية التى أرادها الله سبحانه أن تكون عالمية. ولا ينتقص من وحدة وعالمية الأمة المسلمة اختلاف دولها وأقلياتها وأفرادها الى أى من التنوعات التالية:-
- تنوع الهويات الوطنية لدول مسلمة أو غير مسلمة “كالهوية الأوروبية او الأمريكية مثلا” طالما لم ينضم الفرد أو الجماعة الى الذين يقاتلون الأمة المسلمة فى الدين.
- تنوع المذاهب السياسية ما بين ديموقراطى ويمينى ويسارى وشيوعى وملكى وجمهورى فكل ذلك لا ينتقص ولا يمنع من الانتماء لعقيدة وهوية الأمة المسلمة.
- تنوع المذاهب الاسلامية من سنى وشيعى وصوفى وسلفى وتنوع المذاهب الفقهية فكل ذلك لا ينتقص ولا يمنع من الانتماء لهوية الأمة المسلمة ولا يملك أى مسلم الحكم باخراج أخيه من الملة طالما تمسك بشهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وماعدا ذلك من اختلافات مذهبية فحكمها الى الله وليس الي بعضنا البعض فنحاكم ونقاتل بعضنا بعضا على صحة عقائدنا وتتنتهى أمتنا والعياذ بالله.
ولا شك أن أعداء المسلمين كانوا ولازالوا وسوف يعملون بكل طاقاتهم يغذون كل تلك الخلافات لشق وحدة الأمة المسلمة وتفريق دول وجماعات المسلمين باختلاق الخلافات بين المذاهب واختلاق التصنيفات الدينية والسياسية للزرع ورعاية الصراع بين المذاهب من ناحية فهذا شيعى ضد سنى وهذا كردى وهذا عربى وهذا تكتل ملكى ضد تكتل جمهورى ولايزالون يفرقون ويقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم ان استطاعوا.
- دور من ينتمى للهوية الاسلامية
أن الانتماء الى هوية الأمة المسلمة يولد مسؤليات الأخوة الدينية نحو بعضهم البعض أفرادا وجماعات عملا بقول الله تعالى “انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم”. ويشير التدبر فى تلك الأية الحكيمة الى 3 حقائق عظيمة
- أولا: أكدت الأية حقيقة اخوة كل من ينتمى الى الأمة المسلمة وهم المؤمنين بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأن تلك الاخوة أصبحت من عقائد الاسلام
- ثانيا: أن شعور المسلم بالأخوة نحو المنتمين الى الأمة المسلمة انما هو من اعمال (بكسر الألف) الايمان, “انما المؤمنون اخوة” (1) وهى تصبح كاخوة الأرحام التى لا يمنع مسؤليتها بعد الحدود السياسية والجغرافية.
- ثالثا: شرعت الأية واجبات تلك الاخوة “فأصلحوا بين أخويكم” فأمرت المؤمنين بتحقيق الاصلاح بين كيانات وجماعات وأفراد الأمة المسلمة لتعيش الأمة المسلمة فى مجتمع الأمن والسلامة والقوة
ورجوعا الى الأسباب الأربعة المؤثرة سلبيا فى الظروف الداخلية للأمة المسلمة فانه ينبغى مراعاة تكاملية الحلول لتلك المشكلات بحيث تواجه الاربعة اسباب مجتمعة وبنفس تتابع الترتيب المذكور بعاليه ولتكن فرضية الحلول كالتالى
- اعلان شخصية الأمة المسلمة الجامعة لكل شعوب ودول واقليات وجماعات وأفراد المسلمين فى العالم , وبذلك يتم حل المشكلة الأولى ويبدأ شعور المسلمين بوجود حقيقى على الارض لأمة واحدة تجمعهم وتجسد هويتهم وتعمل على تطويرهم وتحمى مصالحهم
- دعوة زعماء وقادة كل مكونات الأمة من دول وأقليات مسلمة ومنظمات وجماعات اسلامية للاعتراف بشخصية الأمة المسلمة واعلان الانتماء لتلك الأمة كهوية دينية لأمة واحدة والتعهد بتطويرها وحماية المنتمين اليها مع كامل الالتزام بتعهدات وواجبات الهوية الوطنية أى كانت استنادا الى عدم تعارض الهوية الدينية مع الهوية السياسية فى كل دساتير العالم الحر وفى عقيدة الاسلام كذلك عملا بقوله تعالى لكم دينكم ولى دين. وبذلك يتم حل المشكلة الثانية بجمع مكونات الأمة فى كيان واحد
- تشكيل قيادة مؤسسية جماعية للأمة من رؤساء وزعماء الدول والأقليات المسلمة وبذلك يصبح للأمة قيادة تتحدث باسمها وتدافع عنها وتصلح من شأنها وتقوم على ادارتها
- تكليف لجنة من خبراء التخطيط على مستوى مسلمى العالم لصياغة استراتيجية عمل تنفيذية للأمة تحدد للقادة والشعوب برامج ادارة وتطويروحماية الأمة وكيفية تخطيط مواردها وتكامل قدراتها وتضع الأهداف الاستراتيجية القريبة والبعيدة المدى لتنجزها الأمة وتوضح كيفية توزيع أدوار التنفيذ على مختلف القادة والشعوب والجماعات والافراد المنتمين الى الأمة كل حسب امكاناته وطاقاته وقدراته التنافسية
اكتشاف المزيد من معهد علوم الرشد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.