تصحيح الفهم الخاطئ الشائع عن آية نشوز الزوجة وضربها
دعنا نبدأ الموضوع بتدبر الآية ٣٤ من سورةالنساء ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.
نرى جميعا أن الآية الكريمة بعاليه لم تتحدث عن “الزوج” ولا “الزوجة”، وانما تحدثت عن الرجال والنساء عموما. كما أن الآية لم تتحدث عن إدارة الحياة الزوجية وإنما عن توزيع دور الرجال والنساء فى البيت والمجتمع. فالأية تتحدث عن تكليف الرجال بالقيام بالسعى على الرزق (من دون النساء)، وايضا تكليفهم بالقيام بحماية البيوت والمجتمع من كشف النساء لاجزاء من أجسادهن سواء فى البيت أو فى الشارع. ثم حددت الآية نطاق تطبيق تلك المسؤلية والحماية ليحصرها فى داخل البيت، بحيث يحمى كل بيت المجتمع من تجاوزات تصدر من بيته أولا. ومن هنا نفهم أن كلمة “النساء” فى الآية تشمل كل النساء الموجودة فى كل بيت، واللاتى من الممكن أن تكون – بالنسبة للرجل – امه أو اخته أو ابنته أو زوجته، أو كل هؤلاء مجتمعات، ثم أى نساء أخرى تعيش فى بيته سواء كانت قريبته أو (أمته) أى العبدة المملوكة له (وذلك فى زمن العبيد). أى أن كلمة “النساء” فى الآية لا تنصرف الى الزوجة وحدها، وإنما تنصرف الى ثلاثة أصناف كالآتى. أولا: أقارب الرجل، ثانيا: زوجة أو زوجات الرجل، ثالثا: إماء أو (عبيد) الرجل. ولذلك جاءت الآية بثلاثة أحكام مختلفة لك صنف منهن حكم مختلف، وتفصيلها كالتالى:-
- الحكم الأول وهو الوعظ، ويكون مخصصا للصنف الأول من النساء وهن الأقارب وتشمل أمه وأخته وابنته وأى قريبة تعيش تحت كنفه.
- الحكم الثانى وهو حكم التهديد بـ “الهجر فى المضجع” وهو مخصص للصنف الثانى من نساء الرجل: أى زوجته أو زوجاته. وهو حكم لا يمكن – قطعا – أن ينصرف الى الصنف الأول
- الحكم الثالث وهو التهديد بالضرب والذى ينصرف حصرا الى الصنف الثالث من نساء الرجل وهن الإماء (العبيد)، وهذا الحكم – كسابقه – لايمكن أن ينصرف الى أى من الصنفين الأولين من نساء الرجل سواء كن أقاربه أو أزواجه.
ويلاحظ أن هذا الحكم جاء بالتهديد بالضرب وليس بالضرب فعلا، ذلك أن الآية توجه هذا الحكم فى حالة واحدة وهى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) يعنى هذا الحكم ينفذ عند مجرد الخوف من وقوع النشوز، فإذا لم يقع النشوز بالفعل فلا يقع عقاب، وإنما يقبل عقلا التهديد به فقط حتى يمنع وقوعه.
والآن نأتى لمعنى النشوز: فكل تلك الأحكام يكلف بها الرجال تجاه النساء – اللاتى تعشن فى كنفه – فى حالة واحدة فقط وهى الخوف من (النشوز) عن أمر الله لهن بحفظ مفاتهن من الظهور، وليس النشوز عن طاعة الزوج كما هو يفهمه عامة الناس بالخطأ للأسف الشديد. ذلك أن الآية بعاليه قد حددت تلك الحالة التى تغير صفة النساء من (صالحات) الى (نخاف نشوزهن) فى كلمة واحدة وهى حالة “الحفظ” أى حفظ المرأة لما أمرها الله به أن تحفظه، وذلك بدليل قوله فى نفس الآية فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ . وكلنا يعلم ما أمر الله به النساء أن يحفظن، ألا وهو حفظ فروجهن وتغطية جيوبهن كما ورد في الآية 31 من سورة النور والتى تقول: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
النشوز مذمة فى الرجال أيضا وتستوجب تدخل من الزوجة والأهل
وكما أمرت الآية الكريمة بعاليه (31 من سورة المؤمنون) المؤمنات بحفظ فروجهن، فقد أمرت الآية التى قبلها (30 من نفس السورة) الرجال بحفظ فروجهم أيضا. فقالت “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30). ومن هذه الآية نفهم معنى نشوز الرجال بأنه عدم حفظهم لفروجهم. وقد أشار القرآن فى سورة النساء الى نشوز الرجال فقال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) النساء. وكما نرى فى سياق الآيات بعاليه أن نشوز الرجل أو إعراضه يستوجبا على زوجته مطالبته إما بالصلح عن طريق التزامه بتحسين علاقته معها (من سلوك الإعراض لسولك المعاشرة الزوجية الطبيعية)، وباستحضار تقوى الله فى نفسه (والكف عن النشوز بالمعنى المشروح بعاليه)، وبإصلاح التوازن المفقود فى العدل بين زوجاته (إذا كان متزوج بأخرى). فإن رفض وأصر على نشوزه وإعراضه فيحق للزوجة مطالبته بالطلاق فيغنى الله كلا من سعته كما وعدت الآية 130 من سورة النساء. ولا تكون تلك المطالبة من الزوجة خلع منها يستوجب الافتداء بحقوقها الشرعية عند الطلاق، بل هو تطليق شرعى واحب على الزوج نتيجة تقصره فى واجبه الشرعى نتيجة نشوزه أو إعراضه يستلزم منه دفع تعويضا إضافيا لزوجته فوق حقوقها. ولذلك يتوجب حضور حكماء الأنفس الشح فى تلك الجلسة أى حضور حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة لتبيان وإثبات وإعلان أى طرف قد شح بنفسه عن واجباته قبل نفس الطرف الآخر، تصديقا لقوله تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) النساء.
اكتشاف المزيد من معهد علوم الرشد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.